"إمبراطورية البوابين" في مصر خبير إدارة محلية يطالب بكارت ذكي ورخصة رسمية وتنظيم شامل للمهنة
تعد مهنة حارس العقار في مصر أو ما يطلق عليه المصريون "بواب العمارة" واحدة من المهن التي تنتشر في طول البلاد وعرضها من دون أي ضوابط أو قواعد تحكمها، فكما جرى العرف فإن البواب هو الشخص المنوط به حراسة العقار وتنظيف السلم ومدخل العمارة وشراء حاجات السكان من السوق في بعض الأحوال، كما جرت العادة على أنه لا يوجد أي صورة من صور التعاقد الرسمي بين حارس العمارة وسكانها.
ويؤدي البواب هذه المهام مقابل أن يسكن في غرفة أو غرفتين غالباً ما تكونان بمدخل البناية، أو على سطحها، ويحصل على مبلغ شهري من كل شقة، وحينما تثار مشكلة بينه وبين السكان يرحل ويأتي غيره على الوضع نفسه في دائرة مستمرة طوال سنوات طويلة.
وقال الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية والخبير الاستشاري للبلديات الدولية، أن مهنة حراس العقارات (البوابين) في مصر تُعد من الملفات الحضرية والاجتماعية المهملة، رغم ما تمثله من ثقل بشري واقتصادي، مؤكدًا أنها تحتاج إلى إعادة تنظيم شاملة وفق رؤية علمية مستندة إلى التجارب الدولية، وعلى رأسها التجارب الأوروبية.
وأوضح عرفة إن عدد حراس العقارات في مصر يُقدَّر بنحو 6.53 مليون بواب، يقومون بحراسة ما يقرب من 43 مليون وحدة سكنية، مشيرًا إلى أن هذه الفئة تمثل قوة استثمارية ضخمة تحتاج إلى إدارة استراتيجية، لا إلى معالجات أمنية أو اجتماعية جزئية.
وأشار الي أن دولًا أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا والسويد لم تُلغِ مهنة البواب، لكنها أعادت تعريفها ضمن منظومة احترافية حديثة، من خلال شركات حكومية خالصة لإدارة العقارات، يعمل بها الحراس بعقود قانونية واضحة، وصلاحيات محددة، مع استخدام التكنولوجيا في تنظيم الدخول والخروج، وتجريم أي تدخل في خصوصية السكان أو إفشاء معلوماتهم، وهو ما ساهم في رفع كفاءة الأمن الحضري وتحسين جودة الحياة داخل المدن.
وطالب الدكتور حمدي عرفة بـ إصدار كارت ذكي ورخصة رسمية لمزاولة مهنة البواب تُمنح من الإدارة المحلية، مؤكدًا أن ملف البوابين ليس مشكلة اجتماعية بقدر ما هو ملف إداري وتنظيمي بامتياز. كما دعا المحافظين إلى عدم منح أي تراخيص بناء جديدة إلا بعد تقديم رسومات هندسية تضمن وجود غرف آدمية مؤهلة لسكن البواب وأسرته داخل العقار المرخص.
وكشف عرفة أن نحو 8% من البوابين يقيمون حاليًا في أكشاك كهرباء داخل العقارات لعدم توافر غرف مخصصة لهم، معتبرًا ذلك وضعًا غير إنساني يتطلب تدخلًا عاجلًا.
كما طالب الحكومة بالإسراع في إعداد قانون شامل لتنظيم عمل حراس العقارات، يتضمن: تحديد حد أدنى عادل للأجور وشمولهم بنظام التأمين الاجتماعي والصحي ووضع توصيف وظيفي واضح للمهام وتنظيم ساعات العمل وأيام الراحة وضمان سكن لائق أو بدل سكن مناسب.
وأكد أن النموذج التقليدي القائم على البواب المقيم داخل العقار أفرز إشكاليات متعددة، من بينها انتهاك الخصوصية من بعض الحالات، وغياب التوصيف الوظيفي، والعشوائية وتداخل الأدوار، مشددًا على أن الحل لا يكمن في الإلغاء المفاجئ للمهنة، بل في إعادة هيكلتها تدريجيًا بما يحفظ كرامة العامل ويمنع التجاوزات.
وأضاف أن تنظيم المهنة يتيح للدولة دمج ملايين العمالة غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي، وتوسيع قاعدة دافعي الضرائب، وزيادة موارد الدولة، مشيرًا إلى أن الاستثمار في ملف البوابين يمكن أن يدر على الدولة نحو 88 مليار جنيه سنويًا في المتوسط.
وشدد عرفة على أهمية حظر العمل الفردي غير المرخص، والفصل التدريجي بين السكن والعمل، وإنشاء شركات حكومية متخصصة لإدارة وتأمين العقارات تحت إشراف الإدارة المحلية، مع تعميم أنظمة الدخول الذكية والمراقبة الإلكترونية منخفضة التكلفة.
واختتم تصريحه بالتأكيد على أن تنظيم مهنة البوابين ليس رفاهية إدارية، بل خطوة أساسية نحو بناء مدن حديثة، قائلًا" عندما نُنظّم مهنة البوابين، فإننا نحمي خصوصية المواطن، ونصون كرامة العامل، ونحوّل ملفًا اجتماعيًا مزمنًا إلى أداة فاعلة لدعم الإدارة المحلية، وتعزيز الأمن الحضري، وتحقيق التنمية المستدامة، ودعم المشروعات الصغيرة، وتشغيل العاطلين."


